Monday, 19 October 2020

《 صفة النزول والمجئ و الإتيان لله تعالى وتقدس 》

أهميّة العناية بدراسة التوحيد والعقيدة وأصول السنة 


بسم الله الرحمن الرحيم،


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،

أما بعد،

فهذه رسالة مختصرة عن بعض صفات الله الفعلية الاختيارية المتعلقة بالمشيئة وهاتان الصفتان هما (النزول والمجئ ) كتبناها إيضاحا لرسالة أحد الإخوة؛

فأقول وبالله التوفيق وهو المستعان وعليه التكلان:

صفة المجئ تختلف في معناها عن صفة النزول والإيمان بهاتين الصفتين واجب على الوجه اللائق بربنا تعالى وتقدس فالمعنى معقول والكيف مجهول.

نثبت المعنى ونفوض الكيف من غير تمثيل ولا تعطيل ولاتحريف ولا تكييف 

قال والد أبي حفص بن شاهين رحمه الله : حضرت أبا جعفر، فسئل عن حديث النزول، فقال: “النزول معقول، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.” اهـ (١)

وعلماء السنة يقولون :

“ليس قول رسول الله في نزوله بأعجب من قول الله تبارك وتعالى: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة} ومن قوله: {وجاء ربك والملك صفا صفا}. فكما يقدر على هذا يقدر على ذاك.

فهذا الناطق من قول الله عز وجل، وذاك المحفوظ من قول رسول الله  صلى الله عليه وسلم  بأخبار ليس عليها غبار، فإن كنتم من عباد الله المؤمنين، لزمكم الإيمان بها، كما آمن بها المؤمنون، وإلا فصرحوا بما تضمرون، ودعوا هذه الأغلوطات التي تلوون بها ألسنتكم، فلئن كان أهل الجهل في شك من أمركم، إن أهل العلم من أمركم لعلى يقين.”اهـ (٢)

ووجه الدلالة مما سبق : أن منْ أثبت الإتيان والمجئ في القرآن الكريم (وذلك أنه لايؤمن أغلب المعطلة الجهمية -على تنوع فرقهم واختلاف رموزها- إلا بما وافق العقل أو دل عليه  وأما ما  أتى في القرآن الكريم وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم 

فلهم طرق في تعطيلها منها 

أولها:

رد الخبر وتكذيبه. 

ثانيا:

تأويله بمعنى باطل مخالف للفظ الله تعالى وتقدس ولفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومخالف للغة العرب واتيانهم بمعنى فاسد لايقره نقل صحيح أو عقل صريح وتمجه الفطر السليمة 

ثالثا :

ولهم طريقة أخرى

 بحُجة عدم دلالته الظنية -وإن كان قطعي الثبوت- بخلاف السنة الصحيحة الثابتة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم – فبعضهم يجعلها نوعين ظلما وعدوانا وابتداعا وقولا على الله بلا علم إلى متواتر وآحاد. فإذا كان آحادًا ردّوه، وإن كان صحيحا ثابتا وإذا خالف المتواترُ -من قرآن أو سنة- مذهبَهُم الباطل ردّوه بحجة أنه قطعي الثبوت ظنيّ الدلالة على مسألتهم وقد يُنكرُه بعضهم بحُجّة مخالفته عقولهم الفاسدة  .

و أهل السّنة والجماعة -أتباع السلف الصالح- يستدلون على المعطلة الجهمية، بأن من أثبت المجئ والإتيان لزمهُ إثبات النزول.

 وقد أطلعت على سؤال وجوابه

وهذا نص السؤال وفيه يقول السائل : 

هل يفهم من كلام ابن راهوية للامير عبدالله بن طاهر أن صفة النزول والمجيء متقارب ؟

فأتى الجواب من أحد المشايخ بقوله : 

" نعم 

وجاء ربك 

وينزل ربنا 

معناه متقارب لان المجيء تتضمن النزول فاستدل هذا على هذا والذي ينزل في الدنيا يجيء في الاخرة ينزل الى سماء الدنيا في ثلث الاخر فلا اشكال فاستدل بما في الاخرة وهو المجي على نزول الله تبارك وتعالى في الدنيا " 

انتهى الجواب :

وحيث تضمنت الإجابة اجمالا 

وعدم إيضاح فنقول وبالله التوفيق:

إثبات صفة النزول حق واجب وفرض على الأعيان إمتثالا لقول  الرسول الله ﷺ : ( ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له، حتى ينفجر الفجر ) اتفق الشيخان على صحته [ البخاري رحمه الله( ١١٤٥) ومسلم رحمه الله( ٧٥٨) ]

وهذا  النزول نزول يليق بالله تعالى وتقدس وليس مثل نزول المخلوق وأما كيفية هذا النزول فلا يعلمها   إلا هو تعالى وتقدس ، فهو ينزل نزولا يليق بجلاله متى شاء كيف يشاء، ولا يلزم من ذلك خلو العرش فهو نزول يليق به جل جلاله، وثلث الليل  يختلف من قارة إلى قارة  ومن شرق الأرض إلى غربها  وهذا شيء يختص به تعالى لا يماثله خلقه في شيء من صفاته كما قال سبحانه : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } ، ومثل هذا قوله  جل وعلا: { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا } ، وقال تعالى وتقدس:{ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَآءَ }  والآيات والأحاديث الكثيرة المتواترة  تثبت هذا المعنى  .

فعلينا الإيمان والتسليم وعلينا أن نثبت النزول على الوجه الذي يليق بالله، نثبت المعنى ونفوض الكيف ومع كونه استوى على العرش، فهو ينزل نزولا يليق بجلاله ليس مثل نزول المخلوق  ، إذا نزل الرجل من السطح خلا منه السطح، وإذا نزل من السيارة خلت منه السيارة، فهذا قياس فاسد له؛ لأنه سبحانه لا يقاس بخلقه، ولا يماثل خلقه في شيء من ذاته أو  صفاته.واما إثبات صفة المجئ والإتيان لله سبحانه وتعالى على الوجه اللائق بربنا تعالى وتقدس والمجئ والإتيان بمعنى واحد لكن نثبت اللفظين لورودهما في الشرع المنزل  فنثبت المعنى ونفوض الكيف من غير تمثيل ولا تعطيل ولاتحريف ولا تكييف دل على اثباتها كلام الله سبحانه و تعالى المنزل  وكلام رسول صلى الله عليه وسلم الذي قال الله تعالى وتقدس عنه : ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ 

 فمن الإدلة : 

 قولـه تـعالى وتقدس : { هَل يَنظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنْ الغَمَامِ وَالمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ }.

وقولـه تعالى وتقدس : {  هَل يَنظُرُونَ إلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ المَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ }. وقولـه تعالى وتقدس : { وَجَاءَ رَبُّكَ وَالمَلَكُ صَفَّاً صَفَّاً }.

وأما  من السنة

فعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا قوصلى الله عليه وسلم: (... وإن أتاني يمشـي؛ أتيتُه هرولةً )   رواه البخاري رحمه الله  ( ٧٤٠٥ )، ومسلم رحمه الله ( ٢٦٧٥)

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعا : (... قال: فيأتيهم الجبَّار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة )   رواه البخاري رحمه الله ( ٧٤٣٩)  ومسلم رحمه الله  ( ١٨٣ ).

 ثم نأت إلى أمر آخر وهو أن معنى النزول في لغة العرب يختلف عن معنى المجئ والإتيان وأن كانت جميع هذه الصفات تثبت لله سبحانه وتعالى  على الوجه اللائق بربنا تعالى وتقدس وأما كلام اسحاق بن راهوية رحمه الله وبيانه للحق ضد المعطلة الجهمية من المعتزلة بحضور الأمير عبدالله بن طاهر رحمه الله فإنه أورد صفة النزول والمجئ والاتيان لأنها من الصفات الفعلية الإختيارية وجميع صفات الله ينكرونها المعطلة الجهمية بما فيهم المعتزلة فأثبت صفة المجئ واحتج بها على أحقية اتصاف الله بالنزول والمجئ في الدنيا وليس،معناه كما يفهم من إجابة الشيخ انهما بمعنى متقاربة لغة لكن دلالة اثبات هذه الصفات واحد


وانبه الإخوة طلاب العلم  :

على ان من نصّبَ نفسهُ داعية أو شيخا مُتصدّرا للإفتاء أن يكون ذا بصيرة وإحاطة في توحيد الله في أقسامه الثلاثة (الربوبية والألوهية والأسماء والصفات)، وإلا كانت دعوتهُ مثل دعوة الإخوانية الخوارج أو مثل دعوة الجماعات الضالة الأخرى.

فدعوة التوحيد هي دعوة جميع الأنبياء والمرسلين بما فيهم خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وكذا أتباعهُ من الصحابة -رضي الله عنهم- والتابعين -رحمهم الله- ومن أتى بعدهم من مُجدّدي الدين ومُصلحي هذه  الأمة امتثالاً لقوله تعالى {قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}،

قال الامام الطبري رحمه الله في تفسيره لهذه الاية :

“يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، هذه الدعوة التي أدعو إليها، والطريقة التي أنا عليها من الدعاء إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له دون الآلهة والأوثان، والانتهاء إلى طاعته، وترك معصيته، {سبيلي}، وطريقتي ودعوتي، {أدعو إلى الله} وحده لا شريك له، {على بصيرة}، بذلك، ويقينِ عليمٍ منّي به أنا، ويدعو إليه على بصيرة أيضًا من اتبعني وصدقني وآمن بي {وسبحان الله}، يقول له تعالى ذكره: وقل، تنـزيهًا لله، وتعظيمًا له من أن يكون له شريك في ملكه، أو معبود سواه في سلطانه: {وما أنا من المشركين}، يقول: وأنا بريءٌ من أهل الشرك به لست منهم ولا هم منّي.” انتهى كلامه رحمه الله تعالى.


فعلى طلاب العلم الإهتمام بالتوحيد ومسائلهِ ودراسته وكذلك الإهتمام بدراسة أصول السّنة والإهتمام بها؛ فبها تعرف البدع وأهلها وكيفية تجنبهم وهذا لايكون إلا على علماء السنة.

ومن فضل الله تعالى وتقدس أن تيسرت وسائل الاتصال في هذا العصر فتسمع شروح الأئمة مثل  الألباني وابن باز ومقبل والعثيمين -رحمهم الله- ومن الأحياء من علماء السنة مثل ربيع وعبيد  وغيرهم كثير.

وأما ما أشكل عليك فسجّله في ورقة واتصل على من عرفتَ من علماء السنة أتباع السلف الصالح الثقات.

والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.

كتبه وأملاه الفقير إلى عفو مولاه: غازي بن عوض العرماني

في ٢٢ شوال ١٤٣٩هـ

المصادر :

(١) سير اعلام النبلاء ١٣/ ٥٤٧.

(٢) الرد على الجهمية صفحة ٩٣

----------------------

جرى تعديلها يوم السبت

 ٣٠ / ٢ / ١٤٤٢ هجري.

No comments:

Post a Comment

《 تنبيه أهل العلم والإيمان في أنه لا يوجد في لغة العرب فرق في معنى لفظي ( المجئ ) و ( الإتيان ) 》

       بسم الله الرحمن الرحيم  الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على رسوله المصطفى وعلى آله وصحبه وسلم تسليما  أما بعد  فهذه رسالة لعلها تتبع ر...