Wednesday, 8 April 2020

《 الإجابة المختصرة في بيان حكم البدعة المنكرة 》




   بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على عبده المصطفى وعلى آله وصحبه وسلم تسليما 
أما بعد 


فالإجابة عن هذه الشبهة وهي إدعاء بعض المبتدعة  جواز الإستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم بعد مماته في أمور لا يقدر عليها الأحياء في حياتهم فكيف بعد مماتهم بقول الصحابة الكرام  رضي الله عنهم     في حرب المرتدين ب( وامحمداه)
فهذا إستدلال باطل لأمور منها  

( اولا  )  :
هذا كان شعارهم في الحرب، لم يقل أنهم كانوا يستغيثون به في الحرب، ولا أنهم يدعونه، بل قال: هذا شعارهم في الحرب. فلا شبهة لك فيه لأنهم كانوا يستعملون الشعار في الحرب باسم أو كلمة ليعرف بعضهم بعضا كما روي أن شعارهم في بعض غزواتهم حم لا ينصرون وفي بعضها أمت أمت.
وبهذا قال جمع كبير من شيوخ الإسلام .

( ثانيا  ) :
قصة هذا النداء ضعفها أئمة الحديث فلا تصح سندا ولا متنا وفي كتاب [ هذه مفاهيمنا( ٥٢)] " ذكر الحافظ ابن كثير أن شعار المسلمين في موقعة اليمامة كان [محمداه]" :
"أقول: ابن كثير - رحمه الله - ساق ذلك في ضمن خبر طويل عن الغزوة، دخل حديث بعض الأخباريين في بعض. وأما هذا الشعار فقد روى خبره ابن جرير في "تاريخ الأمم والملوك" ( ٣ / ٢٩٣) قال: (كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن الضحاك بن يربوع عن أبيه عن رجل من بني سحيم..) فذكر قصة وفيها الشعار.
أقول: هذا إسنادٌ مظلم، وما عهدت مسائل العقيدة والتوحيد، بل ولا غيرها من أحكام الشريعة
تؤخذ من كتب التاريخ، وإنما تروى قصص التأريخ للعبرة والعظة، والتصديق بمجموعها، لا تفاصيلها، ولهذا قال أحمد بن حنبل: (ثلاثة ليس لها أصول وذكر المغازي..) .
وإظلام هذا الإسناد من ثلاث جهات:
الأولى: سيف هو ابن عمر مصنف "الفتوح"، و"الردة"، يروي عن خلق كثير من المجهولين.
قال الذهبي في "ميزان الاعتدال" ( ٢ / ٢٥٥ ): "روى مطيّن عن يحيى: فَلْس خير منه. وقال أبو داود: ليس بشيء.
وقال أبو حاتم: متروك.
وقال ابن حبان: اتهم بالزندقة.
وقال ابن عدي: عامة حديثه منكر.." اهـ.
الثانية: الضحاك بن يربوع: قال الأزدي: حديثه ليس بقائم. قلت: وهو من المجهولين الذين تفرد بالرواية عنهم سيف.
الثالثة: جهالة يربوع والرجل السحيمي.
وكل واحدة من هذه العلل والقوادح تضعف الحديث، فكيف وهو من رواية سيف بن عمر؟! وقد عرفت ما فيه، نسأل الله العافية.
ولا يُستنكر إيراد ابن جرير لمثل هذه الحكايات الواهيات، وتتابع المؤرخين بعده على ذكرها، فقد قال ابن جرير - رحمه الله - في مقدمة كتابه "تاريخ الأمم والملوك" ( ١  / ٨ ) ما نصه: (فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارؤه، أو يستشنعه سامعه، من أجل أنه لم يعرف له وجهاً في الصحة، ولا معنى في الحقيقة: فليعلم أنه لم يؤت في ذلك من قبلنا، وإنما أتي من قبل بعض ناقليه إلينا، وأنَّا إنما أدينا ذلك على نحو ما أُديَ إلينا)" .

( ثالثا ) :
هذا العمل بهذه الصورة من الشرك الأكبر بالله سبحانه و تعالى وهو عين فعل كفار قريش قال الله تعالى  { مانعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى}
دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع  
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم ، ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار ، مثل أن يسألهم غفران الذنب ، وهداية القلوب ، وتفريج الكروب ، وسد الفاقات ؛ فهو كافر بإجماع المسلمين " .
انتهى من "مجموع الفتاوى" ( ١ / ١٢٤)
ومستند هذا الإجماع الكتاب والسنة وما عليه نهج سلف الأمة الصالحين من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين 
يقول الله : {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} [ وقوله: {قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا}
وروى البخاري رحمه الله في صحيحه ( كِتَاب الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ ) ( بَاب إِذَا غَنِمَ الْمُشْرِكُونَ مَالَ الْمُسْلِمِ ) ح ٢٨٦٠ قال: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو زُرْعَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَامَ فِينَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْغُلُولَ فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ ، قَالَ : " لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ ، يَقُولُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي ، فَأَقُولُ : لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ وَعَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ ، يَقُولُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي ، فَأَقُولُ : لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ وَعَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ ، فَيَقُولُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي ، فَأَقُولُ : لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ أَوْ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ ، فَيَقُولُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي ، فَأَقُولُ : لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ ) ، وَقَالَ أَيُّوبُ ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ .
ورواه مسلم رحمه الله في صحيحه بنحوه في ( كِتَاب الْإِمَارَةِ ) ( بَاب غِلَظِ تَحْرِيمِ الْغُلُولِ ) ح ٣٤١٨ قال: وحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : " قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ ، فَذَكَرَ الْغُلُولَ فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ ، ثُمَّ قَالَ :( لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ ، يَقُولُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَغِثْنِي ، فَأَقُولُ : لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا ، قَدْ أَبْلَغْتُكَ لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ ، فَيَقُولُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَغِثْنِي ، فَأَقُولُ : لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا ، قَدْ أَبْلَغْتُكَ لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ ، يَقُولُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَغِثْنِي ، فَأَقُولُ : لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا ، قَدْ أَبْلَغْتُكَ لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ نَفْسٌ لَهَا صِيَاحٌ ، فَيَقُولُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَغِثْنِي ، فَأَقُولُ : لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا ، قَدْ أَبْلَغْتُكَ لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ ، فَيَقُولُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَغِثْنِي ، فَأَقُولُ : لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا ، قَدْ أَبْلَغْتُكَ لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ ، فَيَقُولُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَغِثْنِي ، فَأَقُولُ : لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا ، قَدْ أَبْلَغْتُكَ )
فكيف يترك كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ويصار إلى قصة موضوعة مكذوبة .
والآيات والأحاديث مستفيضة متظافرة متواترة بهذا المعنى 

( رابعا ) :
الإستغاثة برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته في أمور لا يقدر عليها البشر  ويعجزون عنها من الشرك بالله كما مر في ( ثالثا )  وفي هذاةالعمل شرك أكبر ففيه صرف عبادة الدعاء لغير الله قال الله تعالى 
{ وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنْ الظَّالِمِينَ} وقال تعالى  {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ}  وقال تعالى {قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا}. 

( خامسا )
 و ليعلم بأنّ (يا) هنا ليست للنداء وإنما هي للندبة ، وهي نحو قول القائل (وامحمداه) 
وهذا معروف في لغة العرب وقواعدها بخلاف من جهلها من الأعاجم فالمعتمد في شرع الله هو لغة العرب ففيها نزل  كلام الله تعالى وفيها نطق  رسول الله صلى الله عليه وسلم  وصحابته رضي الله عنهم ومن ذلك ما ورد عن فاطمة رضي الله عنها عند ، وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم قالت : يا أبتاه أجاب ربا دعاه. وفي رواية: وا أبتاه أجاب ربا دعاه.
روى البخاري ( ٤٤٦٢) عَنْ أَنَسٍ قَالَ : " لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ  فَقَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَام : وَا كَرْبَ أَبَاهُ 
فَقَالَ لَهَا : ( لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ ).
فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ : يَا أَبَتَاهُ ، أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ ، يَا أَبَتَاهْ ؛ مَنْ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهْ ، يَا أَبَتَاهْ إِلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهْ .
فَلَمَّا دُفِنَ ، قَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَام : يَا أَنَسُ أَطَابَتْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التُّرَابَ ؟! " .
وعند ابن ماجه( ١٦٣٠)   ( وَا أَبَتَاهُ ، إِلَى جِبْرَائِيلَ أَنْعَاهُ ، وَا أَبَتَاهُ مِنْ رَبِّهِ مَا أَدْنَاهُ ، وَا أَبَتَاهُ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهُ ، وَا أَبَتَاهُ أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ).
فهذا من باب الندبة لا من باب الاستغاثة والطلب.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري(  ٨ / ١٤٩): " قوله: "يا أبتاه" كأنها قالت: يا أبي، والمثناة بدل من التحتانية، والألف للندبة ولمد الصوت، والهاء للسكت" انتهى من " فتح الباري " انتهى كلامه رحمه الله .قال الأشموني   [ الأشموني على ألفية ابن مالك( ١ / ٢٣٣)]: " (وَوَا لِمَنْ نُدِبْ) وهو المتفجَّع عليه ، أو المتوجَّع منه، نحو: وا ولداه، وا رأساه (أَو يَا) نحو يا ولداه، يا رأساه (وَغَيرُ وَا) وهو يا (لَدَى اللَّبْسِ اجْتُنِبْ) أي لا تستعمل يا في النُّدبة إلا عند أمن اللبس ، كقوله:
حَمَلتَ أَمْرَاً عَظِيمَاً فَاصْطَبَرْتَ لَهُ * وَقُمْتَ فِيهِ بِأَمْرِ اللَّهِ ؛ يَا عُمَرَا
فإن خيف اللبس : تعينت وا" انتهى كلامه رحمه الله 
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما 
.............
كتبه وأملاه الفقير إلى عفو مولاه: غازي بن عوض العرماني 
صباح يوم الأربعاء الموافق
 ١٥ / ٨ / ١٤٤١هجري  ..سائلا الله أن يرفع الوباء ويدفع هذا البلاء عن المسلمين .

No comments:

Post a Comment

《 تنبيه أهل العلم والإيمان في أنه لا يوجد في لغة العرب فرق في معنى لفظي ( المجئ ) و ( الإتيان ) 》

       بسم الله الرحمن الرحيم  الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على رسوله المصطفى وعلى آله وصحبه وسلم تسليما  أما بعد  فهذه رسالة لعلها تتبع ر...