بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
أما بعد
فنحمد الله على نعمة التوحيد والسنة والإيمان وعلى موفور صحة الأبدان و على نعمة الأمن والأمان في الأوطان وقد ثبت في السنة ( من لم يشكر الناس لم يشكر الله ) فالشكر لله الواحد الأحد الفرد الصمد ثم لولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود
وفقهم الله وأعانهم وسددهم
《 مقدمة 》
قال الحافظ إبن حجر العسقلاني رحمه الله :
( قَوْلُهُ بَابُ الدُّعَاءِ بِرَفْعِ الْوَبَاءِ وَالْحُمَّى)
الْوَبَاءُ يُهْمَزُ وَلَا يُهْمَزُ وَجَمْعُ الْمَقْصُورِ بِلَا هَمْزٍ أَوْبِيَةٌ وَجَمْعُ الْمَهْمُوزِ أَوْبَاءٌ يُقَالُ أَوْبَأَتِ الْأَرْضُ فَهِيَ مُؤْبِئَةٌ وَوَبِئَتْ فَهِيَ وَبِئَةٌ وَوَبِئَتْ بِضَمِّ الْوَاو فَهُوَ مَوْبُوءَةٌ قَالَ عِيَاضٌ الْوَبَاءُ عُمُومُ الْأَمْرَاضِ وَقَدْ أَطْلَقَ بَعْضُهُمْ عَلَى الطَّاعُونِ أَنَّهُ وَبَاءٌ لِأَنَّهُ مِنْ أَفْرَادِهِ لَكِنْ لَيْسَ كُلُّ وَبَاءٍ طَاعُونًا وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ قَوْلُ الدَّاوُدِيِّ لَمَّا ذَكَرَ الطَّاعُونَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ الْوَبَاءُ وَكَذَا جَاءَ عَنِ الْخَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ أَنَّ الطَّاعُونَ هُوَ الْوَبَاءُ وَقَالَ بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ الطَّاعُونُ الْمَرَضُ الْعَامُّ وَالْوَبَاءُ الَّذِي يَفْسُدُ لَهُ الْهَوَاءُ فَتَفْسُدُ بِهِ الْأَمْزِجَةُ والأبدان وَقَالَ بن سَيْنَاءَ الْوَبَاءُ يَنْشَأُ عَنْ فَسَادِ جَوْهَرِ الْهَوَاءِ الَّذِي هُوَ مَادَّةُ الرُّوحِ وَمَدَدُهُ قُلْتُ وَيُفَارِقُ الطَّاعُونُ الْوَبَاءَ بِخُصُوصِ سَبَبِهِ الَّذِي لَيْسَ هُوَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَوْبَاءِ وَهُوَ كَوْنُهُ مِنْ طَعْنِ الْجِنِّ كَمَا سَأَذْكُرُهُ مُبَيَّنًا فِي بَابِ مَا يُذْكَرُ مِنَ الطَّاعُونِ مِنْ كِتَابِ الطِّبِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَسَاقَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ حَدِيثَ عَائِشَةَ لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ وَوَقَعَ فِيهِ ذِكْرُ الْحُمَّى وَلَمْ يَقَعْ فِي سِيَاقِهِ لَفْظُ الْوَبَاءِ لَكِنَّهُ تَرْجَمَ بِذَلِكَ إِشَارَةً إِلَى مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ وَهُوَ مَا سَبَقَ فِي أَوَاخِرِ الْحَجِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ قَالَتْ عَائِشَةُ فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَهِيَ أَوْبَأُ أَرْضِ اللَّهِ وَهَذَا مِمَّا يُؤَيِّدُ أَنَّ الْوَبَاءَ أَعَمُّ مِنَ الطَّاعُونِ فَإِنَّ وَبَاءَ الْمَدِينَةِ مَا كَانَ إِلَّا بِالْحُمَّى كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي حَدِيثِ الْبَابِ فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُنْقَلَ حُمَّاهَا إِلَى الْجُحْفَةِ وَقَدْ سَبَقَ شَرْحُ الْحَدِيثِ فِي بَابِ مَقْدَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْمَغَازِي وَيَأْتِي شَيْءٌ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي كِتَابِ الدَّعَوَاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدِ اسْتَشْكَلَ بَعْضُ النَّاسِ الدُّعَاءَ بِرَفْعِ الْوَبَاءِ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ الدُّعَاءَ بِرَفْعِ الْمَوْتِ وَالْمَوْتُ حَتْمُ مَقْضِيٍّ فَيَكُونُ ذَلِكَ عَبَثًا وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُنَافِي التَّعَبُّدَ بِالدُّعَاءِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَسْبَابِ فِي طُولِ الْعُمْرِ أَوْ رَفْعِ الْمَرَضِ وَقَدْ تَوَاتَرَتِ الْأَحَادِيثُ بالاستعاذة من الْجُنُون والجذام وسيء الْأَسْقَامِ وَمُنْكَرَاتِ الْأَخْلَاقِ وَالْأَهْوَاءِ وَالْأَدْوَاءِ فَمَنْ يُنْكِرُ التَّدَاوِي بِالدُّعَاءِ يَلْزَمُهُ أَنْ يُنْكِرَ التَّدَاوِي بِالْعَقَاقِيرِ وَلَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ إِلَّا شُذُوذٌ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ تَرُدُّ عَلَيْهِمْ وَفِي الِالْتِجَاءِ إِلَى الدُّعَاءِ مَزِيدُ فَائِدَةٍ لَيْسَتْ فِي التَّدَاوِي بِغَيْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْخُضُوعِ وَالتَّذَلُّلِ لِلرَّبِّ سُبْحَانَهُ بَلْ مَنْعُ الدُّعَاءِ مِنْ جِنْسِ تَرْكِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ اتِّكَالًا عَلَى مَا قُدِّرَ فَيَلْزَمُ تَرْكُ الْعَمَلِ جُمْلَةً وَرَدُّ الْبَلَاءِ بِالدُّعَاءِ كَرَدِّ السَّهْمِ بِالتُّرْسِ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْإِيمَانِ بِالْقَدْرِ أَنْ لَا يَتَتَرَّسَ مِنْ رَمْي السَّهْمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ خَاتِمَةٌ اشْتَمَلَ كِتَابُ الْمَرْضَى مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ عَلَى ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ حَدِيثًا الْمُعَلَّقُ مِنْهَا سَبْعَةٌ وَالْبَقِيَّةُ مَوْصُولَةٌ الْمُكَرَّرُ مِنْهَا فِيهِ وَفِيمَا مَضَى أَرْبَعَةٌ وَثَلَاثُونَ طَرِيقًا وَالْبَقِيَّةُ خَالِصَةٌ وَافَقَهُ مُسْلِمٌ عَلَى تَخْرِيجِهَا سِوَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ وَحَدِيثِ عَطَاءٍ أَنَّهُ رَأَى أُمَّ زُفَرَ وَحَدِيثِ أَنَسٍ فِي الْحَبِيبَتَيْنِ وَحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ وَارَأْسَاهُ إِلَى قَوْلِهِ بَلِ أَنَا وَارَأْسَاهُ فَقَطْ وَفِيهِ مِنَ الْآثَارِ عَنِ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ ثَلَاثَةُ آثَارٍ وَاللَّهُ أعلم [ فتح البارئ شرح صحيح البخاري للحافظ إبن حجر العسقلاني رحمه الله(١٠ / ١٣٣ )]
《 الفصل الأول : الأقوال في نازلة الوباء وهل يجوز القنوت لها في الفريضة أم لا 》
إنتشر مرض كورونا في دول العالم وفي بعض دول المسلمين فهل يشرع القنوت لهذا الوباء
فبعد الرجوع إلى كتب الفقهاء ومن تعرض لها فقهيا نجد قولين للعلماء في هذه النازلة
[ القول الأول ] :
يرى بعض أهل العلم وهو المشهور في مذهب الحنابلة منع ذلك
ومن أدلتهم :
( أولا ) :
أن طاعون عمواس قد وقع في عهد الصحابة رضي الله عنهم , كما وقع في عهد الخليفة الراشد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ناحية الشام فلم يثبت أنهم قنتوا .
(ثانيا ) :
أنه شهادة ، وقد ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الطاعون شهادة
لكل مسلم )وعن أبي هريرة رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللَّه ﷺ:( مَا تَعُدُّونَ الشهداءَ فِيكُم؟ قالُوا: يَا رسُولِ اللَّهِ مَنْ قُتِل في سَبيلِ اللَّه فَهُو شهيدٌ. قَالَ: إنَّ شُهَداءَ أُمَّتي إذًا لَقلِيلٌ،" قالُوا: فَمنْ يَا رسُول اللَّه؟ قَالَ: منْ قُتِل في سبيلِ اللَّه فهُو شَهيدٌ، ومنْ ماتَ في سَبيلِ اللَّه فهُو شهيدٌ، ومنْ ماتَ في الطَّاعُون فَهُو شَهيدٌ، ومنْ ماتَ في البطنِ فَهُو شَهيدٌ، والغَريقُ شَهيدٌ ) رواهُ مسلمٌ رحمه الله
وفي الصحيحين عنْ أبي هُرَيْرةَ رضي الله عنه ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: ( الشُّهَدَاءُ خَمسَةٌ: المَطعُونُ، وَالمبْطُونُ، والغَرِيقُ، وَصَاحبُ الهَدْم وَالشَّهيدُ في سبيل اللَّه )
و قالوا : لا ينبغي ان نقنت من أجل رفع شيء يكون سبباً لنا في الشهادة ، بل نسلم الأمر لله ، وإذا شاء الله وأقتضت حكمته أن يرفعه رفعه ، وإلا أبقاه ، ومن فني بهذا المرض فإنه يموت على الشهادة التي اخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم .
( ثالثا ) :
قد يقول قائل :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( لايورد ممرض على مصح )و( فر من المجذوم فرارك من الأسد ) فيمنع للفريضة من كان به مرض
درأ لمفسدته المترتبة على صلاته مع جماعة المسلمين وجلب لمصلحتهم ودفع للضرر عنهم وهذا في حق الفرض فكيف بأمر ليس بفرض
وفي مشروعيته خلاف بين أهل العلم .
( رابعا ) :
فرق أصحاب هذا القول بين ماكان للإنسان فيه عمل كالحروب وما كان من كوارث ومصائب ليس للإنسان فيها عمل كالجدب والقحط والوباء فأجازوا القنوت في الصورة الأولى ومنعوا الصورة الأخيرة .
[ القول الثاني ] :
قال بعض العلماء و هو المشهور من مذهب الشافعية وأختاره جمع من أهل العلم : " إنه يُدعا برفعه لأنه نازل من نوازل الدهر ؛ وأي شيء اعظم من أن يفني هذا الوباء امة محمد صلى الله عليه وسلم ؟ ولا ملجأ للناس إلا الى الله ، فيدعون الله و يسألونه رفعه " [ من كلام شيخنا العثيمين رحمه الله في الشرح الممتع].
قال الحافظ النووي رحمه الله في شرحه على صحيح الإمام مسلم رحمه الله ( ٥ / ١٧٦ ): "والصحيح المشهور أنه إذا نزلت نازلة كعدو وقحط ووباء وعطش وضرر ظاهر بالمسلمين ونحو ذلك، قنتوا في جميع الصلوات المكتوبات".
《 الفصل الثالث : مناقشة إدلة أصحاب القول الأول والإجابة عنها 》
وأما الإجابة عما أستدل به أصحاب القول الأول فنقول وبالله التوفيق :
[ الإجابة عن دليلهم الأول ] :
فيقال أما كونه لم يثبت لنا عن الصحابة رضي الله عنهم فعله في طاعون عمواس فيرد عليهم بأن عدم النقل ليس نقلآً للعدم , فلا يقضي انهم لم يفعلوه في عهدهم .فعدم العلم بالدليل ليس علماً بالعدم ؛ كما قرر ذلك أهل العلم في قواعدهم .
خاصة وأن لهذا الأمر أصل عظيم وهو دعاء الله
سبحانه وتعالى في القنوت وقت حاجة المسلمين لرفع البلاء والكرب عنهم
[ الإجابة عن دليلهم الثاني ]
فالإجابة عنه من وجوه أهمها :
( أ )
وأما كونه شهادة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد دعا فيما تقدم للوليد بن الوليد ومسلمة بن هشام وما هم عليه إنما هو شهادة أو بمعنى الشهادة فهم معرضون للشهادة أو
بمعنى الشهادة من التعذيب في سبيل الله ، فكونه شهادة لا يعني ذلك أنه لا يقنت منه .
( ب )
يضاف إلى ما سبق ؛ ثبت في الصحيحين عنْ أبي هُرَيْرةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ:( الشُّهَدَاءُ خَمسَةٌ: المَطعُونُ، وَالمبْطُونُ، والغَرِيقُ، وَصَاحبُ الهَدْم وَالشَّهيدُ في سبيل اللَّه)
وفي صحيح مسلم رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللَّه ﷺ: ( مَا تَعُدُّونَ الشهداءَ فِيكُم؟ قالُوا: يَا رسُولِ اللَّهِ مَنْ قُتِل في سَبيلِ اللَّه فَهُو شهيدٌ. قَالَ: إنَّ شُهَداءَ أُمَّتي إذًا لَقلِيلٌ،" قالُوا: فَمنْ يَا رسُول اللَّه؟ قَالَ: منْ قُتِل في سبيلِ اللَّه فهُو شَهيدٌ، ومنْ ماتَ في سَبيلِ اللَّه فهُو شهيدٌ، ومنْ ماتَ في الطَّاعُون فَهُو شَهيدٌ، ومنْ ماتَ في البطنِ فَهُو شَهيدٌ، والغَريقُ شَهيدٌ ) .
فكل هذه الأمور أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنها من أسباب الشهادة في سبيل الله
ومع هذا إستعاذ منها الله صلى الله عليه وسلم ودعا ربه السلامة منها ؛ ففي السنن مرفوعا : قول الرسول صلى الله عليه وسلم:( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَدْمِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ التَّرَدِّي، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْغَرَقِ، وَالْحَرَقِ، وَالْهَرَمِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ يَتَخَبَّطَنِيَ الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَمُوتَ فِي سَبِيلِكَ مُدْبِرًا، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَمُوتَ لَدِيغًا)
أخرجه أبو داود، واللفظ له( ١٥٥٢) والنسائي( ٥٥٤٦) وأحمد( ٨٦٦٧) وصححه الإمام الألباني في صحيح النسائي(٣/ ١١٢٣) وصحيح سنن أبي داود(٥/٢٧٥)
فائدة :
ذكر أهل العلم سبب إستعاذة الرسول صلى الله عليه وسلم من هذه الأمور استعاذ صلى الله عليه وسلم من هذه الأمور مع ما فيها من نيل الشهادة، كما دلَّت على ذلك الأحاديث ؛ فقالوا : لأنها مجهدة, مغلقة, لا يثبت المرء عندها, فربما استزله الشيطان فأخل بدينه, ولأنه يُعد فجأة ومؤاخذة أسف؛ ولأنها في الظاهر مصائب ومحن وبلاء كالأمراض السابقة المستعاذ منها, والفرق بين الشهادة الحقيقية وبين هذه الشهادة أن الشهادة الحقيقية أُمنية كل مؤمن ومطلوبه, وقد يجب عليه السعي لها في بعض حالات القتال، بخلاف هذه الأمور يجب التحرز عنها والسعي لعدم الوقوع فيها؛ لأن الموت حينها يكون بغتة, دون توبة, ورد للمظالم, وإقرار للوصية, وعدم النطق بالشهادة لما يفجؤه من فزع وهلع، وما يدهمه من الخوف .
[ الإجابة عن دليلهم الثالث ] :
نقول نحن معكم فيما ذهبتم إليه ؛ لكن صحة قولنا مقرونة بسلامة المصلين فنحن مع كل ما من شأنه سلامة المسلمين وفي كل أمر يصدره ولي الأمر مما يؤكد السلامة العامة للمسلمين
وفي كلام أهل العلم " من قررت عليه جهة الإختصاص إجراءات العزل فإن الواجب عليه الالتزام بذلك،
وترك شهود صلاة الجماعة والجمعة ويصلي الصلوات في بيته أو موطن عزله،
لما رواه الشريد بن سويد الثقفي رضي الله عنه قال: (كان في وفد ثقيف رجل مجذوم فأرسل إليه النبي ﷺ إنا قد بايعناك فارجع)
أخرجه مسلم .
[ الإجابة عن دليلهم الرابع ]
وأما قولهم في التفريق بين ما يحصل بأمر خارج عن فعل الإنسان كالجدب والأوبئة
وما كان له فعل فيه ظاهر كالحروب
فمنعوا الأول من القنوت فيه وأستحبوا في الأخير
فالجواب :
نقول إن كل ما سبق جرى بقضاء الله وقدره و أنظر إلى قوله تعالى وتقدس فقد جمع بين الصورتين : { قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ }
بل أخبر الله سبحانه وتعالى أن الكوارث والمصائب والبلاء والوباء نواتج مما عمله الإنسان بيده فقال تعالى وتقدس{ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }
و يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( يا مَعْشَرَ المهاجرينَ خِصالٌ خَمْسٌ إذا ابتُلِيتُمْ بهِنَّ ، وأعوذُ باللهِ أن تُدْرِكُوهُنَّ : لم تَظْهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قَطُّ ؛ حتى يُعْلِنُوا بها ؛ إلا فَشَا فيهِمُ الطاعونُ والأوجاعُ التي لم تَكُنْ مَضَتْ في أسلافِهِم الذين مَضَوْا ......الحديث )أخرجه إبن ماجه والطبراني في الأوسط و الحاكم من حديث الصحابي الجليل عبدالله بن عمر رضي الله عنهما و صححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح الجامع( ٧٩٧٨) .
[ فتبين لنا ]:
إن الذي يظهر لنا رجحان القول الثاني وهو جواز القنوت للوباء في الفريصة دفعا ورفعا إذا أمر به ولي الأمر وفق ضوابط شرعية و لمصلحة راجحة يراه تخفيفا عن المسلمين فلعل الله أن يستجيب دعاءهم ويكشف مابهم من ضر .
[ فائدة ]
فلعل القول بأنه يلزم للقنوت إذن ولي الأمر قول قوي وذلك
أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت بأصحابه رضي الله عنهم عند حدوث النازلة لأنه كان في مقام ولي الأمر ، ،وولي الأمر من بعده يقوم مقامه ...
كما أن القنوت من الشعائر الظاهرة والتي يترتب عليها بفضل الله مصالح شرعية عامة
وولي الأمر هو من يرعى ذلك .
لو تركنا الأمر لعامة الناس فسنجد بعض الجهلة يقوم فيقنت بمجرد رأيه مع جهله و وإن لم تكن نازلة أو تجد من يقنت لصالح حزبه المخالف للشرع المناهض لتعليمات ولي الأمر المبنية على المصلحة العامة الراجحة كالإخوانية الخوارج أومن حاله تماثلهم
وفي هذا ضبط أمور الشرع والفتيا وعدم تعدي الجهلة وأهل الأهواء والبدع وتقدمهم وإفتئاتهم على منزلة ولي الأمر .
وفي هذا الأمر كذلك يجوز أن نقول : إن المسائل الإجتهادية التي فيها نص صريح صحيح وظاهره التعارض أو في المسائل الخلافية التي لانص فيها فإن حكم الحاكم يزيل الخلاف ويصار إليه.
ولو قيل :
من قنت من أهل العلم السني السلفي لنازلة رآها وفق ضوابط الشرع في بيته أو مسجده لجاز له ذلك .
[ فائدة ]
في صحيح الجامع للإمام الألباني رحمه الله( ٣٦٣٢)
عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال:
قال رسول الله ﷺ :
( سَلوا اللهَ العفوَ و العافيةَ..
فإنَّ أحدًا لم يُعْطَ بعد اليقينِ
خيرًا من العافيةِ ..)
و قـال الإمام إبن القيم رحمه الله :
" فما دفـعت شدائد الدنيا بمثل التوحيد ولذلك كان دعاء الكرب بالتوحيـد ،
ودعوة ذي النون التي ما دعا بها
مكروب إلا فـرج الله كربه بالتوحيد" [الفوائد لإبن القيّم (٥٣/١)]
قال العلاّمة السّعدي رحمه الله
:" الدعاء سلاح الأقوياء والضعفاء،
وملاذ الأنبياء والأصفياء،
وبه يستدفعون كل بلاء “.
[مجموع مؤلفاته ( ٢٣ / ٧٣٦)]
《 فصل الرابع : حكم إحداث صلاة للحاجة أو صلاة لم ترد في الشرع بسبب الوباء 》
هذا عمل مبتدع منكر لم يرد في كلام الله سبحانه وتعالى أو في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يؤثر عن سلفنا الصالح وإنما يقع من أهل الملل الكافرة كاليهود والنصارى ومن تشبه بهم ممن ينتسب إلى الإسلام وهو برئ منه براءة الذئب من دم يوسف عليه الصلاة و السلام.
《 الخاتمة : نسأل الله حسنها 》
هذا ما ظهر لي ؛ والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
.......
كتبه وأملاه الفقير إلى عفو مولاه : غازي بن عوض العرماني
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
أما بعد
فنحمد الله على نعمة التوحيد والسنة والإيمان وعلى موفور صحة الأبدان و على نعمة الأمن والأمان في الأوطان وقد ثبت في السنة ( من لم يشكر الناس لم يشكر الله ) فالشكر لله الواحد الأحد الفرد الصمد ثم لولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود
وفقهم الله وأعانهم وسددهم
《 مقدمة 》
قال الحافظ إبن حجر العسقلاني رحمه الله :
( قَوْلُهُ بَابُ الدُّعَاءِ بِرَفْعِ الْوَبَاءِ وَالْحُمَّى)
الْوَبَاءُ يُهْمَزُ وَلَا يُهْمَزُ وَجَمْعُ الْمَقْصُورِ بِلَا هَمْزٍ أَوْبِيَةٌ وَجَمْعُ الْمَهْمُوزِ أَوْبَاءٌ يُقَالُ أَوْبَأَتِ الْأَرْضُ فَهِيَ مُؤْبِئَةٌ وَوَبِئَتْ فَهِيَ وَبِئَةٌ وَوَبِئَتْ بِضَمِّ الْوَاو فَهُوَ مَوْبُوءَةٌ قَالَ عِيَاضٌ الْوَبَاءُ عُمُومُ الْأَمْرَاضِ وَقَدْ أَطْلَقَ بَعْضُهُمْ عَلَى الطَّاعُونِ أَنَّهُ وَبَاءٌ لِأَنَّهُ مِنْ أَفْرَادِهِ لَكِنْ لَيْسَ كُلُّ وَبَاءٍ طَاعُونًا وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ قَوْلُ الدَّاوُدِيِّ لَمَّا ذَكَرَ الطَّاعُونَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ الْوَبَاءُ وَكَذَا جَاءَ عَنِ الْخَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ أَنَّ الطَّاعُونَ هُوَ الْوَبَاءُ وَقَالَ بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ الطَّاعُونُ الْمَرَضُ الْعَامُّ وَالْوَبَاءُ الَّذِي يَفْسُدُ لَهُ الْهَوَاءُ فَتَفْسُدُ بِهِ الْأَمْزِجَةُ والأبدان وَقَالَ بن سَيْنَاءَ الْوَبَاءُ يَنْشَأُ عَنْ فَسَادِ جَوْهَرِ الْهَوَاءِ الَّذِي هُوَ مَادَّةُ الرُّوحِ وَمَدَدُهُ قُلْتُ وَيُفَارِقُ الطَّاعُونُ الْوَبَاءَ بِخُصُوصِ سَبَبِهِ الَّذِي لَيْسَ هُوَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَوْبَاءِ وَهُوَ كَوْنُهُ مِنْ طَعْنِ الْجِنِّ كَمَا سَأَذْكُرُهُ مُبَيَّنًا فِي بَابِ مَا يُذْكَرُ مِنَ الطَّاعُونِ مِنْ كِتَابِ الطِّبِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَسَاقَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ حَدِيثَ عَائِشَةَ لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ وَوَقَعَ فِيهِ ذِكْرُ الْحُمَّى وَلَمْ يَقَعْ فِي سِيَاقِهِ لَفْظُ الْوَبَاءِ لَكِنَّهُ تَرْجَمَ بِذَلِكَ إِشَارَةً إِلَى مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ وَهُوَ مَا سَبَقَ فِي أَوَاخِرِ الْحَجِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ قَالَتْ عَائِشَةُ فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَهِيَ أَوْبَأُ أَرْضِ اللَّهِ وَهَذَا مِمَّا يُؤَيِّدُ أَنَّ الْوَبَاءَ أَعَمُّ مِنَ الطَّاعُونِ فَإِنَّ وَبَاءَ الْمَدِينَةِ مَا كَانَ إِلَّا بِالْحُمَّى كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي حَدِيثِ الْبَابِ فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُنْقَلَ حُمَّاهَا إِلَى الْجُحْفَةِ وَقَدْ سَبَقَ شَرْحُ الْحَدِيثِ فِي بَابِ مَقْدَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْمَغَازِي وَيَأْتِي شَيْءٌ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي كِتَابِ الدَّعَوَاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدِ اسْتَشْكَلَ بَعْضُ النَّاسِ الدُّعَاءَ بِرَفْعِ الْوَبَاءِ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ الدُّعَاءَ بِرَفْعِ الْمَوْتِ وَالْمَوْتُ حَتْمُ مَقْضِيٍّ فَيَكُونُ ذَلِكَ عَبَثًا وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُنَافِي التَّعَبُّدَ بِالدُّعَاءِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَسْبَابِ فِي طُولِ الْعُمْرِ أَوْ رَفْعِ الْمَرَضِ وَقَدْ تَوَاتَرَتِ الْأَحَادِيثُ بالاستعاذة من الْجُنُون والجذام وسيء الْأَسْقَامِ وَمُنْكَرَاتِ الْأَخْلَاقِ وَالْأَهْوَاءِ وَالْأَدْوَاءِ فَمَنْ يُنْكِرُ التَّدَاوِي بِالدُّعَاءِ يَلْزَمُهُ أَنْ يُنْكِرَ التَّدَاوِي بِالْعَقَاقِيرِ وَلَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ إِلَّا شُذُوذٌ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ تَرُدُّ عَلَيْهِمْ وَفِي الِالْتِجَاءِ إِلَى الدُّعَاءِ مَزِيدُ فَائِدَةٍ لَيْسَتْ فِي التَّدَاوِي بِغَيْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْخُضُوعِ وَالتَّذَلُّلِ لِلرَّبِّ سُبْحَانَهُ بَلْ مَنْعُ الدُّعَاءِ مِنْ جِنْسِ تَرْكِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ اتِّكَالًا عَلَى مَا قُدِّرَ فَيَلْزَمُ تَرْكُ الْعَمَلِ جُمْلَةً وَرَدُّ الْبَلَاءِ بِالدُّعَاءِ كَرَدِّ السَّهْمِ بِالتُّرْسِ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْإِيمَانِ بِالْقَدْرِ أَنْ لَا يَتَتَرَّسَ مِنْ رَمْي السَّهْمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ خَاتِمَةٌ اشْتَمَلَ كِتَابُ الْمَرْضَى مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ عَلَى ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ حَدِيثًا الْمُعَلَّقُ مِنْهَا سَبْعَةٌ وَالْبَقِيَّةُ مَوْصُولَةٌ الْمُكَرَّرُ مِنْهَا فِيهِ وَفِيمَا مَضَى أَرْبَعَةٌ وَثَلَاثُونَ طَرِيقًا وَالْبَقِيَّةُ خَالِصَةٌ وَافَقَهُ مُسْلِمٌ عَلَى تَخْرِيجِهَا سِوَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ وَحَدِيثِ عَطَاءٍ أَنَّهُ رَأَى أُمَّ زُفَرَ وَحَدِيثِ أَنَسٍ فِي الْحَبِيبَتَيْنِ وَحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ وَارَأْسَاهُ إِلَى قَوْلِهِ بَلِ أَنَا وَارَأْسَاهُ فَقَطْ وَفِيهِ مِنَ الْآثَارِ عَنِ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ ثَلَاثَةُ آثَارٍ وَاللَّهُ أعلم [ فتح البارئ شرح صحيح البخاري للحافظ إبن حجر العسقلاني رحمه الله(١٠ / ١٣٣ )]
《 الفصل الأول : الأقوال في نازلة الوباء وهل يجوز القنوت لها في الفريضة أم لا 》
إنتشر مرض كورونا في دول العالم وفي بعض دول المسلمين فهل يشرع القنوت لهذا الوباء
فبعد الرجوع إلى كتب الفقهاء ومن تعرض لها فقهيا نجد قولين للعلماء في هذه النازلة
[ القول الأول ] :
يرى بعض أهل العلم وهو المشهور في مذهب الحنابلة منع ذلك
ومن أدلتهم :
( أولا ) :
أن طاعون عمواس قد وقع في عهد الصحابة رضي الله عنهم , كما وقع في عهد الخليفة الراشد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ناحية الشام فلم يثبت أنهم قنتوا .
(ثانيا ) :
أنه شهادة ، وقد ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الطاعون شهادة
لكل مسلم )وعن أبي هريرة رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللَّه ﷺ:( مَا تَعُدُّونَ الشهداءَ فِيكُم؟ قالُوا: يَا رسُولِ اللَّهِ مَنْ قُتِل في سَبيلِ اللَّه فَهُو شهيدٌ. قَالَ: إنَّ شُهَداءَ أُمَّتي إذًا لَقلِيلٌ،" قالُوا: فَمنْ يَا رسُول اللَّه؟ قَالَ: منْ قُتِل في سبيلِ اللَّه فهُو شَهيدٌ، ومنْ ماتَ في سَبيلِ اللَّه فهُو شهيدٌ، ومنْ ماتَ في الطَّاعُون فَهُو شَهيدٌ، ومنْ ماتَ في البطنِ فَهُو شَهيدٌ، والغَريقُ شَهيدٌ ) رواهُ مسلمٌ رحمه الله
وفي الصحيحين عنْ أبي هُرَيْرةَ رضي الله عنه ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: ( الشُّهَدَاءُ خَمسَةٌ: المَطعُونُ، وَالمبْطُونُ، والغَرِيقُ، وَصَاحبُ الهَدْم وَالشَّهيدُ في سبيل اللَّه )
و قالوا : لا ينبغي ان نقنت من أجل رفع شيء يكون سبباً لنا في الشهادة ، بل نسلم الأمر لله ، وإذا شاء الله وأقتضت حكمته أن يرفعه رفعه ، وإلا أبقاه ، ومن فني بهذا المرض فإنه يموت على الشهادة التي اخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم .
( ثالثا ) :
قد يقول قائل :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( لايورد ممرض على مصح )و( فر من المجذوم فرارك من الأسد ) فيمنع للفريضة من كان به مرض
درأ لمفسدته المترتبة على صلاته مع جماعة المسلمين وجلب لمصلحتهم ودفع للضرر عنهم وهذا في حق الفرض فكيف بأمر ليس بفرض
وفي مشروعيته خلاف بين أهل العلم .
( رابعا ) :
فرق أصحاب هذا القول بين ماكان للإنسان فيه عمل كالحروب وما كان من كوارث ومصائب ليس للإنسان فيها عمل كالجدب والقحط والوباء فأجازوا القنوت في الصورة الأولى ومنعوا الصورة الأخيرة .
[ القول الثاني ] :
قال بعض العلماء و هو المشهور من مذهب الشافعية وأختاره جمع من أهل العلم : " إنه يُدعا برفعه لأنه نازل من نوازل الدهر ؛ وأي شيء اعظم من أن يفني هذا الوباء امة محمد صلى الله عليه وسلم ؟ ولا ملجأ للناس إلا الى الله ، فيدعون الله و يسألونه رفعه " [ من كلام شيخنا العثيمين رحمه الله في الشرح الممتع].
قال الحافظ النووي رحمه الله في شرحه على صحيح الإمام مسلم رحمه الله ( ٥ / ١٧٦ ): "والصحيح المشهور أنه إذا نزلت نازلة كعدو وقحط ووباء وعطش وضرر ظاهر بالمسلمين ونحو ذلك، قنتوا في جميع الصلوات المكتوبات".
《 الفصل الثالث : مناقشة إدلة أصحاب القول الأول والإجابة عنها 》
وأما الإجابة عما أستدل به أصحاب القول الأول فنقول وبالله التوفيق :
[ الإجابة عن دليلهم الأول ] :
فيقال أما كونه لم يثبت لنا عن الصحابة رضي الله عنهم فعله في طاعون عمواس فيرد عليهم بأن عدم النقل ليس نقلآً للعدم , فلا يقضي انهم لم يفعلوه في عهدهم .فعدم العلم بالدليل ليس علماً بالعدم ؛ كما قرر ذلك أهل العلم في قواعدهم .
خاصة وأن لهذا الأمر أصل عظيم وهو دعاء الله
سبحانه وتعالى في القنوت وقت حاجة المسلمين لرفع البلاء والكرب عنهم
[ الإجابة عن دليلهم الثاني ]
فالإجابة عنه من وجوه أهمها :
( أ )
وأما كونه شهادة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد دعا فيما تقدم للوليد بن الوليد ومسلمة بن هشام وما هم عليه إنما هو شهادة أو بمعنى الشهادة فهم معرضون للشهادة أو
بمعنى الشهادة من التعذيب في سبيل الله ، فكونه شهادة لا يعني ذلك أنه لا يقنت منه .
( ب )
يضاف إلى ما سبق ؛ ثبت في الصحيحين عنْ أبي هُرَيْرةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ:( الشُّهَدَاءُ خَمسَةٌ: المَطعُونُ، وَالمبْطُونُ، والغَرِيقُ، وَصَاحبُ الهَدْم وَالشَّهيدُ في سبيل اللَّه)
وفي صحيح مسلم رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللَّه ﷺ: ( مَا تَعُدُّونَ الشهداءَ فِيكُم؟ قالُوا: يَا رسُولِ اللَّهِ مَنْ قُتِل في سَبيلِ اللَّه فَهُو شهيدٌ. قَالَ: إنَّ شُهَداءَ أُمَّتي إذًا لَقلِيلٌ،" قالُوا: فَمنْ يَا رسُول اللَّه؟ قَالَ: منْ قُتِل في سبيلِ اللَّه فهُو شَهيدٌ، ومنْ ماتَ في سَبيلِ اللَّه فهُو شهيدٌ، ومنْ ماتَ في الطَّاعُون فَهُو شَهيدٌ، ومنْ ماتَ في البطنِ فَهُو شَهيدٌ، والغَريقُ شَهيدٌ ) .
فكل هذه الأمور أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنها من أسباب الشهادة في سبيل الله
ومع هذا إستعاذ منها الله صلى الله عليه وسلم ودعا ربه السلامة منها ؛ ففي السنن مرفوعا : قول الرسول صلى الله عليه وسلم:( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَدْمِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ التَّرَدِّي، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْغَرَقِ، وَالْحَرَقِ، وَالْهَرَمِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ يَتَخَبَّطَنِيَ الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَمُوتَ فِي سَبِيلِكَ مُدْبِرًا، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أَمُوتَ لَدِيغًا)
أخرجه أبو داود، واللفظ له( ١٥٥٢) والنسائي( ٥٥٤٦) وأحمد( ٨٦٦٧) وصححه الإمام الألباني في صحيح النسائي(٣/ ١١٢٣) وصحيح سنن أبي داود(٥/٢٧٥)
فائدة :
ذكر أهل العلم سبب إستعاذة الرسول صلى الله عليه وسلم من هذه الأمور استعاذ صلى الله عليه وسلم من هذه الأمور مع ما فيها من نيل الشهادة، كما دلَّت على ذلك الأحاديث ؛ فقالوا : لأنها مجهدة, مغلقة, لا يثبت المرء عندها, فربما استزله الشيطان فأخل بدينه, ولأنه يُعد فجأة ومؤاخذة أسف؛ ولأنها في الظاهر مصائب ومحن وبلاء كالأمراض السابقة المستعاذ منها, والفرق بين الشهادة الحقيقية وبين هذه الشهادة أن الشهادة الحقيقية أُمنية كل مؤمن ومطلوبه, وقد يجب عليه السعي لها في بعض حالات القتال، بخلاف هذه الأمور يجب التحرز عنها والسعي لعدم الوقوع فيها؛ لأن الموت حينها يكون بغتة, دون توبة, ورد للمظالم, وإقرار للوصية, وعدم النطق بالشهادة لما يفجؤه من فزع وهلع، وما يدهمه من الخوف .
[ الإجابة عن دليلهم الثالث ] :
نقول نحن معكم فيما ذهبتم إليه ؛ لكن صحة قولنا مقرونة بسلامة المصلين فنحن مع كل ما من شأنه سلامة المسلمين وفي كل أمر يصدره ولي الأمر مما يؤكد السلامة العامة للمسلمين
وفي كلام أهل العلم " من قررت عليه جهة الإختصاص إجراءات العزل فإن الواجب عليه الالتزام بذلك،
وترك شهود صلاة الجماعة والجمعة ويصلي الصلوات في بيته أو موطن عزله،
لما رواه الشريد بن سويد الثقفي رضي الله عنه قال: (كان في وفد ثقيف رجل مجذوم فأرسل إليه النبي ﷺ إنا قد بايعناك فارجع)
أخرجه مسلم .
[ الإجابة عن دليلهم الرابع ]
وأما قولهم في التفريق بين ما يحصل بأمر خارج عن فعل الإنسان كالجدب والأوبئة
وما كان له فعل فيه ظاهر كالحروب
فمنعوا الأول من القنوت فيه وأستحبوا في الأخير
فالجواب :
نقول إن كل ما سبق جرى بقضاء الله وقدره و أنظر إلى قوله تعالى وتقدس فقد جمع بين الصورتين : { قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ }
بل أخبر الله سبحانه وتعالى أن الكوارث والمصائب والبلاء والوباء نواتج مما عمله الإنسان بيده فقال تعالى وتقدس{ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }
و يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( يا مَعْشَرَ المهاجرينَ خِصالٌ خَمْسٌ إذا ابتُلِيتُمْ بهِنَّ ، وأعوذُ باللهِ أن تُدْرِكُوهُنَّ : لم تَظْهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قَطُّ ؛ حتى يُعْلِنُوا بها ؛ إلا فَشَا فيهِمُ الطاعونُ والأوجاعُ التي لم تَكُنْ مَضَتْ في أسلافِهِم الذين مَضَوْا ......الحديث )أخرجه إبن ماجه والطبراني في الأوسط و الحاكم من حديث الصحابي الجليل عبدالله بن عمر رضي الله عنهما و صححه الإمام الألباني رحمه الله في صحيح الجامع( ٧٩٧٨) .
[ فتبين لنا ]:
إن الذي يظهر لنا رجحان القول الثاني وهو جواز القنوت للوباء في الفريصة دفعا ورفعا إذا أمر به ولي الأمر وفق ضوابط شرعية و لمصلحة راجحة يراه تخفيفا عن المسلمين فلعل الله أن يستجيب دعاءهم ويكشف مابهم من ضر .
[ فائدة ]
فلعل القول بأنه يلزم للقنوت إذن ولي الأمر قول قوي وذلك
أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت بأصحابه رضي الله عنهم عند حدوث النازلة لأنه كان في مقام ولي الأمر ، ،وولي الأمر من بعده يقوم مقامه ...
كما أن القنوت من الشعائر الظاهرة والتي يترتب عليها بفضل الله مصالح شرعية عامة
وولي الأمر هو من يرعى ذلك .
لو تركنا الأمر لعامة الناس فسنجد بعض الجهلة يقوم فيقنت بمجرد رأيه مع جهله و وإن لم تكن نازلة أو تجد من يقنت لصالح حزبه المخالف للشرع المناهض لتعليمات ولي الأمر المبنية على المصلحة العامة الراجحة كالإخوانية الخوارج أومن حاله تماثلهم
وفي هذا ضبط أمور الشرع والفتيا وعدم تعدي الجهلة وأهل الأهواء والبدع وتقدمهم وإفتئاتهم على منزلة ولي الأمر .
وفي هذا الأمر كذلك يجوز أن نقول : إن المسائل الإجتهادية التي فيها نص صريح صحيح وظاهره التعارض أو في المسائل الخلافية التي لانص فيها فإن حكم الحاكم يزيل الخلاف ويصار إليه.
ولو قيل :
من قنت من أهل العلم السني السلفي لنازلة رآها وفق ضوابط الشرع في بيته أو مسجده لجاز له ذلك .
[ فائدة ]
في صحيح الجامع للإمام الألباني رحمه الله( ٣٦٣٢)
عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال:
قال رسول الله ﷺ :
( سَلوا اللهَ العفوَ و العافيةَ..
فإنَّ أحدًا لم يُعْطَ بعد اليقينِ
خيرًا من العافيةِ ..)
و قـال الإمام إبن القيم رحمه الله :
" فما دفـعت شدائد الدنيا بمثل التوحيد ولذلك كان دعاء الكرب بالتوحيـد ،
ودعوة ذي النون التي ما دعا بها
مكروب إلا فـرج الله كربه بالتوحيد" [الفوائد لإبن القيّم (٥٣/١)]
قال العلاّمة السّعدي رحمه الله
:" الدعاء سلاح الأقوياء والضعفاء،
وملاذ الأنبياء والأصفياء،
وبه يستدفعون كل بلاء “.
[مجموع مؤلفاته ( ٢٣ / ٧٣٦)]
《 فصل الرابع : حكم إحداث صلاة للحاجة أو صلاة لم ترد في الشرع بسبب الوباء 》
هذا عمل مبتدع منكر لم يرد في كلام الله سبحانه وتعالى أو في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يؤثر عن سلفنا الصالح وإنما يقع من أهل الملل الكافرة كاليهود والنصارى ومن تشبه بهم ممن ينتسب إلى الإسلام وهو برئ منه براءة الذئب من دم يوسف عليه الصلاة و السلام.
《 الخاتمة : نسأل الله حسنها 》
هذا ما ظهر لي ؛ والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
.......
كتبه وأملاه الفقير إلى عفو مولاه : غازي بن عوض العرماني
No comments:
Post a Comment