بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فقد أتاني سؤال من أحد طلاب العلم هذا نصه : [ ما حكم قول (الله يوفقك إن شاء الله ) ،
[ حي الله الطبيب أو نحوه من المهن في المستقبل بمشيئة الله عزوجل || آمين || ] أو ما شابه هذه العبارات التي مضمونها الدعاء ؟
أم أنها معلق بالمشيئة فإن كان كذلك فما معنى إن شاء الله ؟
وما معنى من كان داعيا إلى الله فليعزم وما هو وجه الإشكال بين العزيمة والمشيئة ؟
وهل هناك فرق بين التخيير وقول إن شاء الله
ككقول البعض الله يغفر له أو يهلكه ولان حرف أو فيها تخير على الله
وما كفارة من يقول ان شاء الله في دعاءه
وفي اي باب من ابواب العقيدة صنفوه اهل العلم ]
إنتهت أسئلته
و الإجابة على ما طلب نقول :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته :
سؤالك تضمن عدة أسئلة أتت في رسالة واحدة ولكل سؤال منها جواب
فأسأل الله التوفيق والإعانة والسداد
فأولا سؤالك ( ما حكم قول : الله يوفقك إن شاء الله )
يحرم قول إن شاء الله في هذا الموضع لما ورد في صحيح البخاري رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: ( لا يقل أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة؛ فإن الله لا مكره له) .
ولمسلم: ( وليعظم الرغبة، فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه).
لا أحد يكره الله على شيء حتى يقال إن شئت، وليس بعاجز حتى يقال: إن شئت
فالمؤمن يجزم في الدعاء، ويدعو دعاء الراغب المضطر المحتاج لا دعاء الذي لا يبالي حصل وإلا ما حصل، يستثني فإن قوله : إن شئت، معناه إن شئت وإلا ما هو بلزوم المغفرة، هذا غلط ما يناسب في حق الرب جل وعلا؛ لأن العبد مضطر إلى المغفرة في ضرورة إلى المغفرة وفي حاجة إلى المغفرة، فهو جل وعلا العظيم الغني الحميد، ولا يتعاظمه شيء أعطاه عباده وجاد به على عباده، بل كلها عنده قليلة ويسيرة، وإن أعطاهم الشيء العظيم ، فالمشروع للمؤمن أن يكون عظيم الرغبة فيما عند الله، شديد التعلق بالله، شديد اللجأ إليه، فإن سأله سأله سؤال مضطر، سؤال الراغب، فلا يستثني ولا يقول: اللهم اغفر لي إن شئت، أو اللهم ارحمني إن شئت، أو اللهم اكفني إن شئت، أو اللهم ادخلني الجنة إن شئت،
...........
الإجابة عن سؤالك الآخر :
وهي قولك ( حي الله الطبيب او نحوها من المهن ثم تقول : إن شاء الله )
فهذا خبر أريد به الطلب وهو من باب الرجاء أي نرجو الله أن يجعلك طبيبا ولعله جائز
عملا بما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : (
لا بأس طهور إن شاء الله)
.........
وسؤالك الآخر : ( وما وجه الإشكال بين العزيمة والمشيئة)
فالعزيمة إصرار وإلحاح وهذا ما يجب عليه حال المسلم كما في نص الحديث وأما تعليقه في المشيئة فكانه مستغني أو تطلب من يعجزه هذا الطلب فجاء أمر الرسول صلى الله عليه وسلم يحرم مثل هذه الأحوال وتعليق المشيئة في الخبر لا يعارض الأصل المتقدم ؛ فليس فيه إظهار استغناء ، ولا خشية استكثار ، فالمحذور غير وارد ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله خبرا ؛ على سبيل الرجاء ، أو التبرك ؛ وإلا ، فليس المرض طهورا في حق كل أحد .
............
وأما سؤالك الآخر ( وهل هناك فرق بين التخيير وقول إن شاء الله )
نعم يوجد فرق كبير شرعا ولغة
فالتخيير طلب أحد الأمرين وهذا جائز شرعا ومتصور عقلا كأن تقول : اللهم أصلحه أو أهلكه وهذه الصورة لعلها محل إتفاق بين أهل العلم على جوازها .
وأما قول : إن شاء الله.
فالمعنى مختلف وهذه الصورة محل إتفاق على تحريمها لما ثبت في السنة ؛ وحيث أن هذه المسألة لها متعلق في توحيد الله فقد ذكرها الإمام شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في كتابه النفيس " التوحيد " فقال رحمه الله :
" باب قول: اللهم اغفر لي إن شئت
في الصحيح عن أبي هريرة: أن رسول الله ﷺ قال: ( لا يقل أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة ; فإن الله لا مكره له.
ولمسلم:( وليعظم الرغبة، فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه )." إنتهى كلامه رحمه الله
قال الإمام إبن باز رحمه الله( من موقعه الرسمي ) في تعليقه على هذا الباب :"يقول المؤلف رحمه الله: باب لا يقول: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، أراد المؤلف بهذا أن من كمال الإيمان وكمال التوحيد العزم على المسألة وعدم التردد، وأن المؤمن إذا دعا ربه يعزم ولا يتردد، فإن جوده عظيم، وهو الغني الحميد، فلا يليق بالمؤمن أن يستثني، إنما يستثني إذا طلب المخلوق الذي قد يعجز فيقول: أعطني كذا إن شئت أو إن استطعت، هذا في حق المخلوق.
أما الرب فهو الغني الكامل، والقادر على كل شيء، فلا يليق بالفقير -العبد الفقير- أن يستثني في سؤاله فيقول: اللهم اغفر لي إن شئت، أو اللهم أدخلني الجنة إن شئت، كأنه غير محتاج، كأنه ليس بمضطر إلى هذا المسؤول، ولكن يعزم المسألة وليجزم، ولهذا يقول ﷺ: لا يقولن أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، وليعزم المسألة فإن الله لا مكره له. لا أحد يكره الله على شيء حتى يقال إن شئت، وليس بعاجز حتى يقال: إن شئت، فلا يليق هذا بالله ، وفي اللفظ الآخر: وليعظم الرغبة فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه فهو جل وعلا العظيم الغني الحميد، ولا يتعاظمه شيء أعطاه عباده وجاد به على عباده، بل كلها عنده قليلة ويسيرة، وإن أعطاهم الشيء العظيم ، فالمشروع للمؤمن أن يكون عظيم الرغبة فيما عند الله، شديد التعلق بالله، شديد اللجأ إليه، فإن سأله سأله سؤال مضطر، سؤال الراغب، فلا يستثني ولا يقول: اللهم اغفر لي إن شئت، أو اللهم ارحمني إن شئت، أو اللهم اكفني إن شئت، أو اللهم ادخلني الجنة إن شئت، لا، وهكذا الإخوان لا يقول: غفر الله لك إن شاء الله، أو رحمك الله إن شاء الله، لا، يجزم: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، رحمك الله يا أخي، ولا يقل إن شاء الله، لا يستثني بل يكون دعاؤه دعاء الراغب، دعاء الجازم، دعاء الملح " .إنتهى كلامه رحمه الله.
...........
وأما سؤالك الآخر ونصه : ( وما كفارة من يقول : إن شاء الله في دعائه(هكذا هو الصواب)
فمشروع له ذلك عملا بما ثبت
في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : "قال سليمان بن داود عليهما السلام: "لأطُوفنَّ الليلةَ بمائةِ امرأةٍ، تلِدُ كلُّ امرأةٍ غُلامًا يُقاتل في سبيل الله"، فقال له الملَك: قل إن شاء الله، فلم يقُل ونسي، فأطاف بهنَّ، ولم تلِدْ منهنَّ إلَّا امرأةٌ نصفَ إنسان"، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو قال: إن شاء الله، لم يحنث، وكان أرجى لحاجته)
وعليه فمن حلف على يمين أو نذر نذرا فقال : إن شاء الله فلا يحنث ولا يترتب عليه كفارة .
.............
وقولك في سؤالك الآخر : ( وفي أي باب من أبواب العقيدة صنفوه أهل العلم )
لعلك أردت في أي أبواب العقيدة تم إدراج هذه المسألة
فهذه المسألة من كمال الإيمان وكمال التوحيد العزم على المسألة وعدم التردد
وهذه المسألة قد تدخل جميع أنواع التوحيد بأقسامه الثلاثة فقد تدخل توحيد الإسماء
حيث إن جود الله عظيم فهو الغني الحميد، وقد تدخل توحيد الألوهية فلا يليق بالمؤمن أن يستثني في دعائه ، إنما يستثني إذا طلب المخلوق الضعيف الذي قد يعجزه طلبه فيقول: أعطني كذا إن شئت أو إن استطعت( كأنه لا يريد إحراجه) بسبب علمه بتقصير المخلوق أو ضعفه .وقد تدخل في توحيد الربوبية فالرب هو الغني الكامل، والقادر على كل شيء، فلا يليق بالعبد الفقير أن يستثني في سؤاله فيقول: اللهم اغفر لي إن شئت، أو اللهم أدخلني الجنة إن شئت، كأنه غير محتاج، أو كأنه ليس مضطر إلى سؤال ربه ، ولكن يعزم المسألة وليجزم فإن الله يسمع ويبصر وهو قوي غني متنزه عن عجز صفات المخلوق وضعفه وإحتياجه وربنا يحب من عباده أن يسألوه قال الله تعالى وتقدس: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾
فدعاء الله عباده يعملها العبد وفق مراد الله ووفق سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يقصر في أدائها كما في نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن قول : ( اللهم اغفر لي إن شئت) ولايصرفها لغيره فإن صرفها لغيرها أو دعا غير الله فهو شرك في ألوهيته وعبوديته على عباده وخلقه
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
-----------------
كتبه وأملاه الفقير إلى عفو مولاه : غازي بن عوض العرماني كان الله في عونه ؛ في يوم السبت الموافق ١٨ شعبان من عام ١٤٤١ هجري
وأسأل الله أن يرفع هذا الوباء ويدفع البلاء ويستجيب الدعاء ويكشف اللأواء ويرحم ضعفنا وتقصيرنا وخطايانا وذنوبنا إنا إلى ربنا راغبون { رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }
No comments:
Post a Comment