الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على عبده المصطفى وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
أما بعد
فهذه إجابة لإشكال حصل لبعض طلاب العلم في مسألة جرى بحثها في توحيد الأسماء الحسنى والصفات العلى لله تعالى وتقدس
فنقول وبالله التوفيق وعليه التكلان :
الصفتان التي ذكرتهما وهما ( السمع والبصر ) فهما صفتان ذاتيان فعليتان وذلك لتعلقهما بمشيئة الله وقدرته سبحانه وتعالى
فهما فعليتان ذاتيان لإتصاف الله بهاتين الصفتين أزلا فلا تنفك عنه سبحانه وتعالى وعلى وجه يليق بربنا تعالى وتقدس{ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}
فنثبت المعنى ونقول :
معلوم ونفوض الكيف ونقول : مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه تعنتا وإضلالا بدعة - ونحسبك مريدا للخير طالبا للعلم - مع إثباتها من غير تمثيل ولاتحريف ولاتعطيل ولا تكييف
فمن قال : إثباتها ازلا من غير معنى لها أو قال بترادف المعنى الواحد في كل الصفات أو جلها فهو معطل جهمي معتزلي.
ومن قال : بإثباتها مع إنكار مشيئة الله وقدرته في هاتين الصفتين فهو معطل جهمي كلابي[ أشعري] سالمي .
وأهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح يثبتون ماأثبته الله سبحانه و تعالى لنفسه وماأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم على وجه يليق بربنا { ليس كمثله شيء } فيقولون بإتصاف الله بهما أزلا مع إثبات المعنى وتفويض الكيف بلا تمثيل ولاتحريف ولاتأويل باطل ولا تشبيه ظالم ولا تعطيل الجهمية لقوله تعالى { وهو السميع البصير }
وقوله تعالى{ قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما}
ومستمد عقيدتنا الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة الصالحين من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين- رحمهم الله- وجمعنا الله وإياهم وإياكم في الفردوس الأعلى من الجنة فضلا منه ورحمة ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وتلميذه الإمام ابن القيم رحمه الله وهو من مقرري عقيدة السلف الصالح ومن نشرها ومن ذاد عنها فأحيلك عليه وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من إحيل على ملئ فليتبع) قال شيخ الإسلام إبن تيميه رحمه الله في درء تعارض العقل والنقل ( ١ / ٢٤١) : " فإن الله تعالى وصف نفسه بالأفعال اللازمة؛ كالاستواء، وبالأفعال المتعدية؛ كالخَلْق " قال الإمام ابن القيم رحمه الله في مختصر الصواعق المرسلة ( ٢ / ٢٢٩) والصواعق المرسلة ( ٤ / ١٣٣٥) : "فأفعاله نوعان : " لازمة، ومتعدية، كما دلت النصوص التي هي أكثر من أن تحصر على النوعين "
فالنوع الأول: الصفات الفعلية المتعدية، وهي ما تعدت لمفعولها بلا حرف جر، أو التي تتعدى إلى معمولها بدون واسطة، وسميت الصفات الفعلية المتعدية؛ لأنها تتعدى إلى الغير.وهي ما لها تعلق بالمخلوق، مثل: صفة القدرة، والمشيئة، والرحمة، والعلم، والسمع، والبصر ونحو ذلك من الصفات. وأما النوع الثاني: وهي الصفات الفعلية اللازمة، وهي ما تتعدى لمفعولها بحرف جر، وهي التي تتعلق بالذات الإلهية، أو التي لا تتعدى إلى الغير. وهي ما لا تتعلق بالمخلوق، مثل: الصفات اللازمة كالحياة، وغيرها " وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في درء تعارض العقل والنقل ( ١ / ٢٤١) : "الفعل المتعدي مستلزم للفعل اللازم؛ فإن الفعل لا بد له من فاعل، سواء كان متعديًا إلى مفعول أو لم يكن، والفاعل لا بد له من فعل، سواء كان فعله مقتصرًا عليه أم متعديًا إلى غيره، والفعل المتعدي إلى غيره لا يتعدى حتى يقوم بفاعله؛ إذ كان لا بد له من الفاعل، وهذا معلوم سمعًا وعقلًا "وفي مجموع الفتاوى المجلد السادس في ( فصل في الصفات الإختيارية ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْعَبَّاسِ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ تيمية قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ وَنَوَّرَ ضَرِيحَهُ : - فَصْلٌ : فِي ( الصِّفَاتِ الِاخْتِيَارِيَّةِ وَهِيَ الْأُمُورُ الَّتِي يَتَّصِفُ بِهَا الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ فَتَقُومُ بِذَاتِهِ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ ; مِثْلُ كَلَامِهِ وَسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَإِرَادَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَرِضَاهُ وَرَحْمَتِهِ وَغَضَبِهِ وَسَخَطِهِ ; وَمِثْلُ خَلْقِهِ وَإِحْسَانِهِ وَعَدْلِهِ ; وَمِثْلُ اسْتِوَائِهِ وَمَجِيئِهِ وَإِتْيَانِهِ وَنُزُولِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الصِّفَاتِ الَّتِي نَطَقَ بِهَا الْكِتَابُ الْعَزِيزُ وَالسُّنَّةُ . "
ولعل في ماذكرناه يزيل الإشكال عند بعض الإخوة
وبهذه المناسبة أوصي طلاب العلم على الإطلاع على رسالة " الصفات الإختيارية " للشيخ الإمام العلامة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وعلى تعلمها وتعليمها وفهمها لأهميتها في باب توحيد اسماء الله الحسنى وصفاته العلى . وفقنا الله وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح وحسن الخاتمة.
وجزى الله هذه الدولة المباركة المملكة العربية السعودية خير الجزاء ففضلها عظيم على شخصي الضعيف فقد قامت بتعليمي عقيدة السلف الصالح وصرفت الملايين من الريالات نفقة علي وعلى إخواني طلاب العلم فأسأل الله أن يبارك في هذه الدولة وعلى رأسها ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وأن يكفيهم شر الأشرار من رافضة مجوس وإخوانية خوارج وملاحدة
وكل من أراد بها شرا ولايفوتني الدعاء لمشايخ أئمة الدعوة من عهد شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله وابنائه وتلامذته من بعده منهم مشايخنا الألباني وابن باز والعثيمين ومقبل الوادعي والجامي وربيع المدخلي وعبيد الجابري وكذلك معالي الشيخ عبداللطيف آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية فحفظ الله مشايخي الأحياءورحم الأموات وجمعنا الله وإياهم وإياكم في الفردوس الأعلى من الجنة بفضل الله ورحمته
ورفع الله عنا وعنكم وعن بلادنا المملكة العربية السعودية وعامة بلاد المسلمين هذا الوباء وكشف البلاء فهو ارحم الراحمين وأكرم الأكرمين .
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
..........
كتبه وأملاه الفقير إلى عفو مولاه: غازي بن عوض العرماني
جرى تحريره يوم الأربعاء الموافق الثامن من شهر شعبان من عام ١٤٤١ هجري.